ابيات شعر قالها الشاعر العراقي الراحل معروف الرصافي ،
في مدينة الفلوجة البطلة ومقاومتها ضد الاستعمار عام 1941
أيها الإنكليز لن نتناسى بغيكـم فـي مساكـن "الفلوجـة"
ذاك بغي لن يشفي الله إلا بالمواضـي جريحـه وشجيجـه
هو كرب تأبى الحمية أنا بسوى السيـف نبتغـي تفريجـه
هو خطب أبكى العراقييـنوالشـام وركـن البنيـة المحجوجـه
حلها جيشكم يريد انتقاماً وهو مُغـرٍ بالساكنيـن علوجـه
يوم عاثت ذئاب ( آثور ) فيهاعَيْثةً تحمل الشَنـارسميجـه
فاستهانت بالمسلمين سَفاهاً واتخذتم من اليهـود وليجـه
وأدرتم فيها على العُزْل كأساًمن دماء بالغدر كانت مزيجـه
واستبحتم أموالها وقطعتم بين أهل الديـار كـل وشيجـه
أفهـذا تمـدن، وعـلاءشعبكـم يدّعـي إليـه عروجـه
أم سكرتم لما غلبتم بحربلم تكن في انبعاثهـابنضيجـه
قد نتجنا لقوحها عن خِداجفلذاك انتهـت بسـوء النتيجـه
هل نسيتم جيشاً لكم مُبْذعرَّاً شهدت جُبنه سواحـل إيجـه
وهوى بانهزامه حصن "أقريط" وأمسى قذىً علـى "عيـن فيجـه"
سوف ينأى بخزي وبعار عن بـلاد تريـد منهـا خروجـه
لا تغرنكم شِبـاكْ كبـارٌ أصبحـت لاصطيادنـا منسوجـه
لستم اليوم في المسالك إلا جملاً تحـت صـدره دُحروجـه
وطن عشت فيه غير سعيد عيش حر يأبى على الدهر عوجه
أتمنى فيه السعادة لكنليـس لـي فيـه ناقـة منتوجـه
أخصب الله أرضه ولو انّيلست أرعى رياضـه ومروجـه
كـل يـوم بعـزّه أتغنـىّ جاعـلاً ذكـر عـزّه أمزوجـه
ما حياة الإنسان بالذل إلا مـرة عنـد حَسْوِهـا ممجوجـه
فثناءً (للرافديـن) وشكـراوسلامـاً عليـك يـا فلوجة
في رثاء عبدالمحسن السعدون
هكذا يُدرك في الدنيا الكمالُ
هكذا في موتها تحيا الرجالُ
هكذا يشرف موت المبتغي
شرفاً ليس إذا ريم ينال
من كـ عبدالمحسن الشهم الذي
حفّه بالموت عزٌّ وجلال
ما بـ عبدالمحسن السعدون إذ
رام قتل النفس مسٌّ أو خبال
بل رأي أوطانه يرهقها
من بنى الغرب انتدابٌ واحتلال
فانتضى الهمّة كي ينقذها
كانتضاء السيف ما فيه كلال
مارس الأحوا ل حتى أنّه
شاب في إصلاحها منه القذال
أعمل الرأي، وقد جادله
فيه بعض القوم، واشتدّ الجدال
خذلوهُ، فاغتدت آراؤه
كسهامٍ كسرت منها النصال
كم غدا ينصحهم حتى إذا
راءَ أنّ الداء في القوم عضال
ورأى أنّ الذي يرجوه من
طلب استقلالهم شيءٌ محال
جاد للأوطان منه بدمٍ
لسوى أوطانه ليس يُسال
والفتى الحّر له في موته
سعةٌ إن ضاق بالنفس المجال
إنّه لمّا أرادت نفسه
ميتة حمراء ما فيها اعتلال
ميتة الأبطال فيها شممٌ
طأطأتْ من دونه الشمُّ الجبال
نال بالموت حياةً ما لها
أبد الدهر فناءٌ وزوال
هو حيٌّ أبد الدهر، فما
ضرّه من هذه الدنيا انتقال
إن يكن قد زايل القوم، فما
لمساعيه عن القوم زيال
أو يكن عن أعين القوم اختفى
فله في أنفس القوم خيال
وإذا التاريخ أجرى ذكره
أخذ التاريخ بالفخر اختيال
فاندبوا يا قوم منه بطلاً
هو للأبطال حُسنٌ وجمال
واقتفوا منه نصيحاً مخلصاً
هو للإخلاص في الدنيا مثال
واقيموا عالياً تمثاله
فهو للأوطان عزٌّ وجلال
واقصدوا مرقده حجّاً فلا
غرو إن شدّت لمثواه الرحال
واتركوا الغرب وأهليه، ولا
تسمعوا منهم إلى ما قد يقال
وعلى أنفسكم فاتّكلوا
خاب من فيه على الغير اتّكال
فالمواعيد التي قد وعدوا
كلّها منهم خداعٌ واحتيال
كلّما قال لنا ساستهم
نقضت أقوالهم منهم فعال
هكذا كونوا وإلاّ فاعلموا
أنّما استقلالكم شيءٌ محال
في رثاء عبدالمحسن السعدون
شبّ الأسى في قلوب الشعب مستعرا
يوم ابن سعدون عبدالمحسن انتحرا
يومٌ به كلّ عين ٍغير مبصرةٍ
إذ كان إنسانها في الدمع منغمرا
يومٌ به البرق رجّ الرافدين أسى
غداة أدّى إلى أقصاهما الخبرا
فلو ترى القوم قاموا في ضفافهما
واستنزفوا من شؤون الدمع ما غُزرا
خلْت العراقين خدّي ثاكلٍ، وهما
سطران للدمع في الخدين قد سُطرا
لله يومٌ فقدنا فيه مضطلعاً
بالأمر يُمعن في تدبيره النظرا
يومٌ قد انهلّ فيه الشعر منتظماً
كما قد انهلّ فيه الدمع منتثرا
فبالدموع بكت في يومه شيعٌ
وبالقوافي بكت في يومه الشُّعَرا
فالشعر قد قرّط الأسماع مندفقاً
والدمع قد قرّح الأجفان منحدرا
والدمع والشعر ممّن قد بكى بهما
كلاهما حكيا في يومه الدررا
كلاهما انسجما حتى كأنّهما
تسابقا في انسجامٍ عندما انهمرا
بالشعر من هذه الأكباد بلَّ صدى
والدمع من هذه الأوطان بلَّ ثرى
أبو عليٌّ قويٌّ في عزائمه
لو رام بالعزم دحر الجيش لاندحرا
أخلاقه كالخضمّ الرهو تحسبه
سهلاً، ولكنّه صعبٌ إذا زخرا
إذا أتاه شكيُّ القوم قابله
بكالنسيم جرى في روضةٍ عطرا
ويهزم الجمع مجتثّاً مكايده
بكالعواصف هبّت تقلع الشجرا
لما رأى الوطن المحبوب محتملاً
من الأجانب ما قد عمّه الضررا
سعى لإنقاذه بالرأي مجتهداً
بالعزم متشحاً، بالحزم مؤتزرا
كم بات سهران في تحقيق منيته
وفي الأمانيّ ما يستوجب السهرا
وكم سعى راجياً تخليص موطنه
والشعب كان لما يرجوه منتظرا
حتى إذا لم يجد للأمر متّسعاً
ولم يجد عن بلوغ العزّ مصطبرا
أرمى مسدسه في صدره بيدٍ
لا تعرف الضعف في المرمى، ولا الخوَرا
فيا لها رميةً حمراء داميةً
قد مات منها، ولكن بعدها نُشرا
قد كان يحيا حياةً غير خالدةٍ
واليوم يحيا حياةً تملأ العُصُرا
لو نقتري صحف التاريخ نسألها
عمّن يساويه في الدهر الذي غبرا
لما رأينا كبيراً مات ميتته
ولا وجدنا وزيراً مثله انتحرا
ما كان أشرفها من ميتةٍ تركتْ
في نفس كلّ فتى من غبطةٍ أثرا
كنّا نقاسي ضلالاً قبلها، فإذا
بها الطريق إلى استقلالنا ظهرا
يا أهل لندن ما أرضت سياستكم
أهل العراقين لا بدواً ولا حضرا
إنّ انتدابكمُ في قلب موطننا
جرحٌ نداويه لكنْ لم يزل غبرا
وللمشورة في أوطاننا شبحٌ
تُخيف صورته الأشباح والصورا
يجول في طرقات البغي محتقباً
للغشّ خلف ستار النصح مستترا
لم يكفهِ أنّه للحكم مغتصبٌ
حتّى غدا يقتل الآراء والفكرا
إذا رأى نهضةً للمجد أقعدها
وإن رأى فتنةً مشبوبةً نعرا
فكم ضغائن بين القوم أوجدها
وكم بذورٍ من التفريق قد بذرا
في كلّ يومٍ لنا معكم معاهدةٌ
نزداد منها على أوطاننا خطرا
جفّت بها سرحة استقلالنا عطشاً
حتى إذا ما مسسنا عودها انكسرا
تقسو قلوبكمُ لمّا نفاوضكمْ
كأنّما نحن منكم ننقر الحجرا
أمّا مواعيدكم فهي التي انكشفت
عن مين من مان أو عن غدر من غدرا
لا تفخروا أن كسرتم غرب شوكتنا
لا فخر للصقر في أن يقتل النغرا
لا تستهينوا بنا من ضعف قوّتنا
فكم ذبابة غابٍ أزعجت نمرا
هذي البلاد اغرسوا فيها مودّتكم
ثمّ اقطفوا من جناها ودّنا ثمرا
نكن لكم حلف صدقٍ في سياستكم
نمشي إلى الموت من جرّائكم زُمُرا
لسنا بقومٍ إذا ما عاهدوا نكثوا
ولو جرى الدمُ حتى أشبه النهرا
ولا نحالف أحلافاً، فنخذلها
ولو لبسنا المنايا دونهم أُزُرا
فنحن أوفى الورى بالعهد شنشنةً
ونحن أرفعهم في المكرمات ذُرا
سعدٌ وسعدون محمودٌ مقامهما
هذا بمصر، وهذا ههنا اشتهرا
كلاهما قد فدى بالنفس أمّته
لكن سعدون لا سعداً قد انتحرا
فكان بينهما بونٌ، وإن غدوا
في الشرق أعظم مذكورين ما ذكرا
فإنّ سعدون دانى الشمس منزلةً
وإن سعداً بمصر قارن القمرا
هذا هنا قد سعى للمجد مبتدراً
وذا هناك سعى للمجد مقتدرا
يا أهل مصر، وأنتم مثلنا عربٌ
ما قلتمُ عندما أعلمتمُ الخبرا
إن كان قد أرخص الأموال سعدكم
فإنّ سعدوننا قد أرخص العمرا
نمْ أيّها البطل الفادي بمهجته
أوطانه نومةً تستيقظ العبرا
نمْ نومةً تجعل التاريخ مختفياً
بها لنهضة أهل الشرق مدّكرا
فليعتبر بك هذا الشعب مفتدياً
إن كان شعبك بعد اليوم معتبرا
فسوف تحمدك الأوطان شاكرةً
ماذا ستفعله من بعدك الوزرا
أ يتركون الذي قد كنت تطلبه
أم هم سيقضون من مطلوبك الوطرا؟
فالشعب منهم مريدٌ ما أردت له
وليس يقبل عذراً ممن اعتذرا
يا من له ميتةٌ بكرٌ معظّمةٌ
لا غرو أن قلت فيك الشعر مبتكراً